البحث


مدونة السيف الأثري للرد على ضلالات الأشعرية

الاثنين، 14 يناير 2019

ابن بطة شيخ الحنابلة يثبت علو الله على عرشه بلا تأويل

بواسطة : Unknown بتاريخ : 2:00 ص


دفاع عن الإمام ابن بطة مما رماه به السقاف، وموقفه من صفة العلو:
وهو الإمام، العلامة، شيخ الحنابلة، عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكبري. المعروف بابن بطة.
وقد شنَّ السقاف عليه حملة شعواء، فنعرض كلام السقاف، ثم ننقضه – إن شاء الله تعالى –:
قال السقاف: حنبلي وضاع مجسم، ترجمه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (4/ 131) وقال في ترجمته متعقِّبًا على الذهبي: وقفتُ لابن بطة على أمر استعظمته واقشعرَّ جلدي منه، ثم أثبت الحافظ أنه وضاع، وأنه كان يحك أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحك، وأورد الخطيب البغدادي في "تاريخه" (10/ 375) حديثًا بسند باطل، ثم قال: "وهو موضوع بهذا الإسناد والحمل فيه على ابن بطة" أي أنه هو واضعه! وانظر كتابنا إلقام الحجر (ص 4- 6). (ص 270- 271).
وقال أيضًا: ابن بطة وضاع مجسم من أئمة التشبيه لا عبرة بقوله!! (ص 531).
أقول: هذه ترجمة الإمام ابن بطة:
وهو الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري المتوفى سنة (387). من نسل عتبة بن فرقد الصحابي الجليل.
كان إمامًا عالمًا بالسنة، صالحًا، مستجاب الدعوة، وأثنى عليه الأئمة الحفاظ.
وكان فقيها حنبليا كما قال الخطيب البغدادي تاريخ بغداد (12/ 100).
وقال ابن أبي يعلى: وأنبأنا أَبُو مُحَمَّد الجوهري قَالَ سمعت أخي أبا عبد اللَّه يقول رأيت النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام فقلت لَهُ: يا رسول اللَّه أي المذاهب خير؟ أو قَالَ: قُلْتُ عَلَى أي المذاهب أكون؟ فَقَالَ: ابْن بطة ابْن بطة ابن بطة، فخرجت من بغداد إلى عكبرا فصادف دخولي يوم الجمعة فقصدت إلى الشيخ أَبِي عبد اللَّه بْن بطة إلى الجامع فلما رآني قَالَ لي ابتداء: صدق رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - صدق رسول اللَّه أو كما قَالَ.
ثم ذكر عن أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ قوله: أحببت الحنبلية مذ رأيت أبا عبد اللَّه بْن بطة.
قال عنه العتيقي: وكان شيخًا صالحًا مستجاب الدعوة. تاريخ بغداد (12/ 106).
وقال ابن ماكولا: أحد الزهاد، كتب الكثير وصنف وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وخلقًا كثيرًا. الإكمال (1/ 230).
قال عنه السمعاني: كان إمامًا فاضلًا عالمًا بالحديث وفقهه، أكثر من الحديث وسمع جماعة من أهل العراق، وكان من فقهاء الحنابلة، صنف التصانيف الحسنة المفيدة. الأنساب (2/ 261).
وقال الذهبي: الإمام، القدوة، العابد، الفقيه، المحدث، شيخ العراق، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي، ابن بطة، مصنف كتاب (الإبانة الكبرى) في ثلاث مجلدات. السير (16/ 529).
ثم قال: قال الخطيب: حدثني أبو حامد الدلوي، قال: لما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، لم ير في سوق ولا رؤي مفطرا إلا في عيد، وكان أمارا بالمعروف، لم يبلغه خبر منكر إلا غيره. السير (16/ 529- 530).
قلتُ: وابن بطة وإن كان إمامًا فقيهًا إلا أنه قد ضعَّفه بعض العلماء في الرواية، لكنه إمام في السنة والفقه.
قال الذهبي: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط. أنبأنا المؤمل بن محمد، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني عبد الواحد بن علي الأسدي، قال لي أبو الفتح بن أبي الفوارس: روى ابن بطة، عن البغوي، عن مصعب بن عبد الله، عن مالك، عن الزهري، عن أنس: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
قال الخطيب: هذا باطل، والحمل فيه على ابن بطة.
قلت: أفحش العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط ودخل عليه إسناد في إسناد. السير (16/ 530- 531).
وقال الذهبي أيضًا: ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية - فكان إمامًا في السنة، إمامًا في الفقه، صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه. ميزان الاعتدال (3/ 15).
وإذا كان ابن بطة قليل الإتقان في الرواية، بل ضعفه بعضهم، فلا عيب أن يهم في حديث، فقد كان أئمة كبار ضعفاء فهذا حفص - صاحب القراءة المشهورة التي يقرأ بها أكثر العالم - ضعيف الحديث بل متروك كما في ميزان الاعتدال (1/ 558) والكامل في الضعفاء (3/ 268) وما بعدها، وغيرهما من الكتب.
وأما اتهامه بالكذب أو أنه كان يحك أسماء الأئمة فلا يثبت ذلك عنه، بل الأئمة في زمنه ومن بعدهم أثنوا عليه بالزهد والصلاح والتقوى، وكان مستجاب الدعوة، ولو كان فيه مثل هذا الأمر لما كان كذلك، ولما أثنى عليه أحد، بل أقصى ما في الأمر أنه قليل الإتقان في الرواية، لكنه إمام في السنة والفقه – رحمة الله عليه –.
فدعوى السقاف أن ابن بطة كان وضَّاعًا دعوى فارغة، عارية من الصحة تمامًا.
وأما دعواه أن ابن بطة كان يحك أسماء الأئمة ويضع اسمه مكانها، فهذا لم يقله سوى ابن خيرون، وهو أحمد بن الحسن بن خيرون، وذكره عنه الخطيب، والسقاف يلزمه أن لا يقول بذلك، فقد طعن في ابن خيرون سيده الكوثري في "تأنيبه" (ص 64).
وإن كنا لا نرى صحة ما قاله الكوثري في ابن خيرون، إلا أن ابن خيرون – وإن كان إمامًا – إلا أنه كغيره من الناس يخطيء ويصيب ويهم.
وهذا نص ما قاله ابن حجر في "اللسان": وقال الخطيب: حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون: قال رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حك اسم صاحبها وكتب عليها اسمه.
قال ابن عساكر: وقد أراني شيخنا أبو القاسم السمرقندي بعض نسخه بن بطة بمعجم البغوي فوجدت سماعه فيه مصلحا بعد الحك كما حكاه الخطيب عن ابن خيرون، وقال أبو ذر الهروي اجهدت على أن يخرج لي شيئا من الأصول فلم يفعل فزهدت فيه. (4/ 115).
فنقول:
أولاً: إن كلام هؤلاء الأئمة حول روايات ابن بطة وكتاباته، وليس في عقيدته، وقد قلنا بأن ابن بطة قليل الإتقان والضبط.
ثانيًا: إن أول من قال هذا الكلام هو ابن خيرون، كما في "اللسان" و"تاريخ بغداد" (12/ 104).
فهل رأى ابنُ خيرون ابنَ بطة وهو يحك؟!
بل هل رآه أصلاً مع العلم بأن ابن بطة قد توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وقد ولد ابن خيرون بعد وفاة ابن بطة بتسع عشرة سنة، وتوفي بعده بأكثر من مائة سنة، كما في ترجمته في تاريخ الإسلام (10/ 590)؟!!
ثالثًا: إننا لا نسلم بأن ابن خيرون قد اتهم ابن بطة صراحة، بل قد يحتمل أن يكون أصل الكلام (قد حُكَّ اسمُ صاحبها، وكُتِب عليها اسمُه) بالبناء لما لم يسمَّ فاعله، وعليه فلا طعن على ابن بطة، إذ لا يلزم من ذلك أن يكون ابن بطة هو الذي قام بذلك الفعل، بل قد يكون فعله غيره ودسه في كتب ابن بطة، ورجل إمام في السنة كهذا لابد أن يكون له أعداء وخصوم من أهل البدع والضلال، فلا يبعد أن يكون قد فعل ذلك أحدهم وكتب اسم ابن بطة كي يُتهم ابن بطة بذلك.
فالقول بأن ابن بطة هو الذي حكَّها اتهام بلا بينة، بل هو احتمال في غاية الضعف، ولن يستطيع أحد أن يجزم بأن ابن بطة هو الذي قام بالحك.
بل ابن بطة إمام في السنة، شيخ صالح زاهد ورع، لا يُظَنُّ بمثله أن يفعل ذلك، بل غاية ما في الأمر أنه احتمال ضعيف، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ثم إن القول بأن ابن بطة ليس له سماع بمعجم البغوي، قول غير مُسَلَّم، فقد قال الذهبي تعليقًا على قول ابن خيرون: قلت: وقد قَالَ ابن الْجَوْزِي: قرأت بخط أبي القاسم ابن الفرّاء أخي القاضي أَبِي يَعْلَى، قَالَ: قابلت أصل ابن بطة بالمُعْجَم، ورأيت سماعه فِي كل جزء، إلا أنّي لم أر الجزء الثالث أصلا. تاريخ الإسلام (8/ 612).
ولقد حاول السقاف بكل ما أوتي من قوة أن يثبت أن الإمام ابن بطة – رحمه الله – كان كذابًا – وحاشاه –، فقال تعليقًا على كلام الإمام زكريا بن يحيى الساجي: ابن بطة كذاب وضاع مجسم مشهور تقدم الكلام عليه، فخبره مردود نحكم بكذبه، ومن الدلائل على كذب ابن بطة أنه اخترع للساجي ولدًا يروي هذه العقيدة الفاسدة عنه، وقد اعترف متناقض عصرنا في مختصر العلو (ص 223) أن أحمد لا يُعرَف. ا.هـ. (ص 496).
أقول: وهذا كلام باطل، فإن ابن بطة إمام جليل رفيع القدر كما ذكرنا.
وقبل دحض افتراء السقاف أذكر تناقضًا وقع فيه المتناقض – السقاف –: فقد قال هذا السقاف عن الساجي: والساجي هذا هو على التحقيق من المجسمة المشبهة. مقدمة تحقيقه للإبانة (ص 12)، فإذا كنت يا سقاف ترى أن هذه العقيدة الفاسدة التي رواها عنه ابنه لم تثبت عنه، بل هي موضوعة والحمل في وضعها على ابن بطة كما تدعي، فكيف حكمت عليه بأنه مجسم مشبه؟!
كان الأحرى ألا تحكم على إمام بالتجسيم والتشبيه حتى يثبت عنه ذلك، كيف وأنت تدعي أن هذه العقيدة مكذوبة لا تصح؟!!
وأما دعوى السقاف أن الإمام ابن بطة – رحمه الله – اخترع للساجي ولدًا، فهذا دليل كذب السقاف لا كذب الإمام، فإن ابن بطة لم يخترع للإمام زكريا الساجي ولدًا، فإن ابنَه أحمد بن زكريا الساجي قد روى عنه غير ابن بطة كأبي الحسن علي بن محمد العسكري كما في تاريخ بغداد (13/ 574). وأبو بكر ابن المنقري كما في تاريخ دمشق (1/ 357) وغيرهما.
فإذا لم يكن للساجي ولد – وهو أحمد – بل هو من اختراع ابن بطة كما يدَّعي السقاف، لما روى عنه غير ابن بطة.
ومثل هذا الكلام يدل على حقد السقاف على أئمة السنة كالإمام ابن بطة – رحمه الله تعالى –.
والشيخ الألباني – رحمه الله- لم يقل أن ابن بطة اخترع ولدًا للساجي كما يحاول أن يوهم السقاف بذلك، بل إن الشيخ قال أنه لا يعرف أحمد بن زكريا هذا، أي فإنه مجهول إما العين أو الحال وليس مخترعًا كما ادعى السقاف.
موقف الإمام من العلو:
لقد نقل الإمام ابن بطة – رحمه الله – إجماع أهل السنة على أن الله على عرشه بائن من خلقه، فقد قال: فإن أهل الإثبات من أهل السنة يجمعون على الإقرار بالتوحيد وبالرسالة.... وأن الله على عرشه بائن من خلقه, وعلمه محيط بالأشياء. الإبانة الكبرى (2/ 557).
وبوَّب لذلك بابًا، حيث قال: باب الإيمان بأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه، فوق سماواته بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه، لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم، واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين، وقالوا: إن الله ذاته لا يخلو منه مكان، فقالوا: إنه في الأرض كما هو في السماء وهو بذاته حال في جميع الأشياء.
وقد أكذبهم القرآن والسنة وأقاويل الصحابة والتابعين من علماء المسلمين، فقيل للحلولية: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش؟ وقال الله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه: 5] وقال: ﴿ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا﴾ [الفرقان: 59] فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش، فقالوا: لا نقول: إنه على العرش؛ لأنه أعظم من العرش؛ ولأنه إذا كان على العرش فإنه يخلو منه أماكن كثيرة، فنكون قد شبهناه بخلقه إذا كان أحدهم في منزله فإنما يكون في الموضع الذي هو فيه ويخلو منه سائر داره، ولكنا نقول: إنه تحت الأرض السابعة كما هو فوق السماء السابعة، وإنه في كل مكان لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان.
قلنا: أما قولكم: إنه لا يكون على العرش؛ لأنه أعظم من العرش، فقد شاء الله أن يكون على العرش، وهو أعظم منه، قال الله تعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء﴾ [البقرة: 29]، وقال: ﴿وهو الله في السموات﴾، ثم قال: ﴿وفي الأرض يعلم﴾ [الأنعام: 3]، فأخبر أنه في السماء وأنه بعلمه في الأرض، وقال: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه: 5]، وقال: ﴿ثم استوى على العرش الرحمن﴾ [الفرقان: 59]، وقال: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ [فاطر: 10]، فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا، وقال: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ [الأعلى: 1]، فأخبر أنه أعلى من خلقه، وقال ﴿يخافون ربهم من فوقهم﴾ [النحل: 50]، فأخبر أنه فوق الملائكة وقد أخبرنا الله تعالى أنه في السماء على العرش، فقال ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور، أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا﴾ [الملك: 17]، وقال: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ [فاطر: 10]، وقال لعيسى: ﴿إني متوفيك ورافعك إلي﴾ [آل عمران: 55]، وقال: ﴿بل رفعه الله إليه﴾ [النساء: 158]، وقال: ﴿وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون﴾ [الأنبياء: 19]، وقال: ﴿وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير﴾ [الأنعام: 18]، وقال: ﴿رفيع الدرجات ذو العرش﴾ [غافر: 15]، وقال عز وجل: ﴿يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه﴾ [السجدة: 5]، وقال: ﴿ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره﴾ [المعارج: 3]، فهذا ومثله في القرآن كثير.
ولكن الجهمي المعتزلي الحلولي الملعون يتصامم عن هذا وينكره، فيتعلق بالمتشابه ابتغاء الفتنة لما في قلبه من الزيغ؛ لأن المسلمين كلهم قد عرفوا أماكن كثيرة ولا يجوز أن يكون فيها من ربهم إلا علمه وعظمته، وقدرته وذاته تعالى ليس هو فيها، فهل زعم الجهمي أن مكان إبليس الذي هو فيه يجتمع الله تعالى وهو فيه، بل يزعم الجهمي أن ذات الله تعالى حالة في إبليس.
وهل يزعم أن أهل النار في النار وأن الجليل العظيم العزيز الكريم معهم فيها؟!
تعالى الله عما يقوله أهل الزيغ والإلحاد علوا كبيرا.
وهل يزعمون أنه يحل أجواف العباد وأجسادهم، وأجواف الكلاب، والخنازير، والحشوش، والأماكن القذرة، التي يربأ النظيف الطريف من المخلوقين أن يسكنها أو يجلس فيها، أو قال له: إن أحدا ممن يكرمه ويحبه ويعظمه يحل فيها وبها؟!
والمعتزلي يزعم أن ربه في هذه الأماكن كلها، ويزعم أنه في كمه، وفي فمه، وفي جيبه، وفي جسده، وفي كوزه، وفي قدره، وفي ظروفه وآنيته، وفي الأماكن التي نجل الله تبارك وتعالى أن ننسبه إليها. الإبانة (7/ 136- 139).
وقال أيضًا: لكنا نقول: إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن ([1])، وأعلى عليين، قد استوى على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى، فقال: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ [الأنعام: 59]، فقد أحاط علمه بجميع ما خلق في السماوات العلا، وما في الأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى، يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. الإبانة الكبرى (7/ 141).
يقول السقاف تعليقًا على هذا الكلام: إذا أرادوا بهذا الإجماع أنهم أجمعوا على أن الله فوق العرش كما تقصد الحنابلة والمجسمة من أنه فوق السماوات عالٍ على العرش علُوًّا حِسِّيًّا في مكان يطلقون عليه بأنه عدمي وغير مخلوق!! فهذا إجماع باطل وهو خرافة وخيال قائم بأذهان المجسمة!! وقولهم (بائن) لم يجمع عليها المسلمون، ولم يذكرها المنزهون!! لأن الله – تعالى – مع تنزيهنا له عن الحلول والاتحاد لا نصفه بالاتصال ولا بالانفصال كما صرَّح بذلك الإمام النووي في أوائل كتاب "الردة" من الروضة!! فتنبه!!
ثُمَّ كيف يقولون "أجمع المسلمون" والجهمية – الذين تزعم المجسمة كذبًا وزورًا أنهم يقولون بأن الله – تعالى – في مكان ([2]) – يخالفونهم في ذلك؟!
فإن قالت المجسمة: نحن لا نعدهم من المسلمين!! قلنا لهم: ونحن أيضًا لا نعدكم من المسلمين لما أنتم عليه من التشبيه والتجسيم! (ص 531).
وهذا الكلام يبين أن السقاف يكفر أهل السنة أهل الحديث والأثر الذين يقولون بأن الله على عرشه، وله العلو المطلق علو الذات والقدر والقهر، وليس علو القدر والقهر فحسب.
وأما دعواه أن لفظة "بائن" لم يذكرها المنزهون، فكذب فقد صرَّح بها أئمة كثر كابن المبارك وإسحاق بن راهوية وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وغيرهم من أئمة السلف، إلا إذا كان هؤلاء في زمرة المجسمة المشبهة عند السقاف!
وأما كلام النووي – رحمه الله وغفر له – فإنه كان مؤولاً لصفات الله كما هو حال الأشعرية، وكلامه لا حجة فيه، ولقد كان السقاف مكثرًا من كلمته "وأقوال الرجال ليست بحجة" فلماذا لم يذكرها هنا؟ أنسيها أم تناساها؟!
والسقاف لا يكفر الجهمية بل يتهم السلف بأنهم تحاملوا عليهم وافتروا الأقاويل عليهم كذبًا وزروًا – وحاشاهم –، بل ويكفر كثيرًا من أئمة السلف ويرميهم بالتجسيم على تحرج منه من التصريح بكفرهم.
فقد اتهم الأئمة بالتجسيم: نعيم بن حماد، وعثمان الدارمي، وعثمان بن أبي شيبة، وزكريا الساجي، وابن أبي حاتم، والبربهاري، والطبراني، والآجري، وأبا الشيخ، وابن بطة، وابن منده، وابن الباقلاني ([3])، والقصاب، واللالكائي، ويحيى بن عمار، وأبا عمر الطلمنكي، وأبا نصر السجزي، وأبا عمرو الداني، والكرجي، وغيرهم الكثير والكثير. وحاشاهم من هذه التهمة الشنيعة.
فإذا كان السقاف يرى أن المجسمة كفار – كما حاول أن يصرح هنا بتكفيرهم على استحياء – فيلزمه أن يكفر كل هؤلاء. وكفى بذلك ضلالا.
ثم إننا نسأله: من سلفك أيها السقاف في قولك أن الله ليس على عرشه؟! أهم السلف الصالح فائتنا بواحد منهم؟!
أم أنهم الجهمية والمعتزلة؟!


([1]) وسيأتي الحديث عن شاء الله عن لفظة "مكان".
([2]) هكذا، ولعل الصواب (في كل مكان).
([3]) وهو أشعري، فلا أدري هل يوافق الأشعرية السقاف؟ أم سيتهمونه بالتطاول على أئمتهم؟!!

إمام المالكية فى عصره ابن أبى زيد القيروانى يُثبت العلو لله - تعالى -

بواسطة : Unknown بتاريخ : 1:57 ص


الإمام علامة المغرب يثبت علو الله الذاتى على العرش

هو الإمام، العالم الحبر، البحر، شيخ المالكية فى عصره بالمغرب بلا منازعة، عبد الله بن أبي زيد النفزي، القيرواني المالكي. (ت 386)، الملقب بمالك الصغير.
يقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني – رحمه الله – أول رسالته المشهور:
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة
من واجب أمور الديانات
من ذلك الإيمان بالقلب، والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له.
ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.
العالم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه... إلى آخر المقدمة الطيبة.
ولقد حاول الشُرَّاح وغيرهم أن يتملصوا من هذه الكلمة بتأويلات بعيدة جِدًّا، وتكلفوا للخروج من كلام الإمام، فهم بين أمرين أحلاهما مر، إما أن يتكلفوا لتأويل كلام الإمام وحمله على غير وجهه كما تكلفوا في تأويل كلام الله – عز وجل – وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم –، وإما أن يكون هذا الإمام حشويًّا مشبهًا مجسِّمًا، فادعى بعضهم أن لفظة (بذاته) مدسوسة – بلا بينة –، وأنكر بعضهم عليه لأجلها، وأوَّلها البعض بتأويلات ما كانت لتخطر ببال أحد لولا هذا التكلف.
يقول النفراوي: (و) كما يجب الإيمان بأن الله إله واحد يجب اعتقاد (أنه) سبحانه وتعالى (فوق عرشه) وهو جسم نوراني علوي محيط بجميع الأجسام لا قطع لنا بتعيين حقيقته وهو أول المخلوقات على الأصح، وفوق السموات والكرسي من تحته بين قوائمه، ومعناه لغة كل ما علا، والظرف خبر إن، و (المجيد) يصح جره نعتا للعرش، ورفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو العائد على العرش أو على الله. (بذاته) متعلق بالمجيد، والباء بمعنى في مثل أقمت بمكة أي فيها، والضمير عائد على العرش أي العظيم في ذاته، وقيل عائد على الله والمعنى: أن هذه الفوقية المعنوية له تعالى مستحقها بالذات لا بالغير من كثرة أموال أو جنود كفوقية المخلوقات، ولا يصح تعلق بذاته بفوق لفساد المعنى؛ لأن المعنى حينئذ وهو فوق العرش بذاته وهو ممتنع؛ لأن فيه استعمال الموهم، والحاصل أنه يجوز إطلاق لفظ الفوقية الغير المقيدة بلفظ الذات على الله، فيجوز قول القائل فوق سمائه أو فوق عرشه، وتحمل على فوقية الشرف والجلال والسلطنة والقهر لا فوقية حيز ومكان؛ لاستحالة الفوقية الحسية عليه تعالى لاستلزامها الجرمية والحدوث الموجبين للافتقار المنزه عنه الخالق جل وعلا. الفواكه الدواني (1/ 47).
وهذا تكلف في تأويل كلام الإمام وحمل للكلام على غير وجهه.
 وقد برَّر هذا التأويل بأن الفوقية الحسية يلزم منها الجرمية والحدوث.
ثم ماذا سيقول في قول ابن أبي زيد القيرواني – رحمه الله –: وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه. الجامع في السنن والآداب والمغازي (ص 107- 108).
هل سيقول أن فوقية الشرف والقدرة والسلطنة والقهر لله هي فوق السماوات وعلى العرش دون الأرض؟!!
وأما أن فوقية الذات تستلزم الحيز والجرمية والحدوث ونحو هذا، فنقول: إننا نثبت الصفة، لكن لا نلتزم هذه اللوازم، بل نقول إنها لوازم في الشاهد، وأين التراب من رب الأرباب؟!
وقد أقر بأن عقيدة ابن أبي زيد إثبات الفوقية وحمل الاستواء على ظاهره أئمة كثر، كالقرطبي وابن جهبل وابن جزي وغيرهم.
قال القرطبي في "الأسنى" ما نصه: والسادس: قول الطبري وابن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه وهو ظاهر بعض كتب القاضي أبي بكر – رضي الله عنه – وأبي الحسن، وحكاه عنه – أعني عن القاضي أبي بكر القاضي عبد الوهاب نصًّا – وهو أنه – سبحانه مستوٍ على العرش بذاته. وأطلقوا في بعض الأماكن فوق عرشه.
قال الإمام أبو بكر: وهو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكين في مكان، ولا كون فيه ولا مماسة.
قلتُ: هذا قول القاضي أبي بكر في كتاب "تمهيد الأوائل" له. وقد ذكرناه، وقاله الأستاذ أبو بكر ابن فورك في "شرح أوائل الأدلة" وهو قول ابن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين، والخطابي في كتاب "شعار الدين" وقد تقدَّم ذلك. ا.هـ. بنصه من الأسنى (2/ 123).
وقال ابن جهبل رادًّا على تقي الدين ابن تيمية: وأما ما حكاه عن أبي عمر بن عبد البر فقد علم الخاص والعام مذهب الرجل ومخالفة الناس له ونكير المالكية عليه أولا وآخرا مشهور ومخالفته لإمام المغرب أبي الوليد الباجي معروفة حتى إن فضلاء المغرب يقولون لم يكن أحد بالمغرب يرى هذه المقالة غيره وغير ابن أبي زيد على أن العلماء منهم من قد اعتذر عن ابن أبي زيد بما هو موجود في كلام القاضي الأجل أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي رحمه الله. نقله التاج السبكي في الطبقات (9/ 78).
فما هي هذه المقالة التي لم يرها غير ابن أبي زيد وابن عبد البر إن لم يكن إثبات الفوقية؟!
ولا يُقال إن هذا رأي ابن جهبل، بل إنه نسبه لفضلاء المغرب، ولا مناص إلا بنسبته للكذب، وحينها يكون لكل حادث حديث!
وقال ابن جزي: ﴿اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ حيث وقع، حمله قوم على ظاهره منهم ابن أبي زيد وغيره. تفسير ابن جزي (1/ 290).
وقد ذكر ابن ناجي التنوخي في شرحه للرسالة تأويلات باردة لكلام الإمام ابن أبي زيد، ثم قال بعدها: وفي أجوبة عز الدين بن عبد السلام لما سئل عن قول الشيخ وأنه فوق عرشه المجيد بذاته هل يفهم منه القول بالجهة أم لا وهل يكفر معتقدها أم لا؟ فأجاب بأن ظاهر ما ذكره القول بالجهة وأن الأصح أن معتقد الجهة لا يكفر. (1/ 25).
ونقول لهم – كما قلنا ذلك مرارًا –: أنتم تثبتون لله – تعالى – السمع، ويلزم من السمع العرضية، كما يلزم منها إثبات الأذن لله – تعالى – ومع ذلك أنتم لم تلتزموا هذين اللازمين، وقلتم نثبت الصفة ولا نثبت اللوازم؛ لأنها لوازم صفات المخلوقين والله ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾.
وكذلك نحن نقول: نثبت الصفة دون لوازمها، إذ هي لوازم في صفات المخلوقين والله ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾.
يقول العلامة مرعي الكرمي الحنبلي ([1]): وقال بعض المحققين من الشافعية والذي شرح الله صدري في حال المتكلمين الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين أنهم ما فهموا في صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوقين، فما فهموا عن الله تعالى استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله.
قال: ولا ريب أنا نحن وهم متفقون على إثبات صفة الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله تعالى، ونحن قطعا لا نعقل من الحياة والسمع والبصر والعلم إلا أعراضا تقوم بجوارحنا، فكما يقولون حياته - تعالى - وعلمه وسمعه وبصره ليست بأعراض، بل هي صفات كما تليق به لا كما تليق بنا فمثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ونحو ذلك فكل ذلك ثابت معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلاله فإن صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة من حيث التكييف والتحديد ولا فرق بين الاستواء والنزول والسمع والبصر الكل ورد في النص فإن قالوا في الاستواء والنزول شبهتم فنقول لهم في السمع والبصر شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض فإن قالوا لا عرض بل كما يليق به تعالى قلنا والإستواء والنزول كما يليق به تعالى
قال فجميع ما يلزموننا به في الإستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم فكما لا يجعلونها أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الإستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف ولا يفهموا ذلك في الصفات السبع وحيث نزهوا ربهم في الصفات السبع مع إثباتها فكذلك يقال في غيرها فإن صفات الرب كلها جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وأولنا هذه وحرفناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية أنتهى. (ص 202- 203).


([1]) وهو مضطرب في باب الأسماء والصفات، ويُقال إنه رجع، وأثبت عقيدة السلف، والله أعلم بالحال، لكننا هنا ننقل نقله كلام بعض محققي الشافعية.

الثلاثاء، 9 يناير 2018

حكم حديث معاوية بن الحكم - رضى الله عنه - بلفظ "أين الله" والرد على السقاف ونضالة آلة رشى - الجزء الأول

بواسطة : Unknown بتاريخ : 12:07 م

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ،،،
فإن الحكم بصحة الحديث أو بضعفه، أو باضطرابه واختلاف لفظه مبنيٌّ على قواعد فى علم الحديث مشهورة، وفى كتب الأئمة مبينة ومسطورة.
وينبغى - بل يجب - على من يتصدى للحكم على الأحاديث - فوق درايته بقواعد هذا الفن وقوانينه - أن يكون بحثُه مجرَّدًا عن الهوى، بل لأجل البحث عن الحق الذى يرضى رب العالمين - جل جلاله -.
فالذى يبحث عن حديث - وهو يحكم فى نفسه بصحته أو بضعفه ابتداءً قبل النظر فى رواياته وطرقه - لن يصل إلى الحق، بل سيوصل نفسه إلى ما يريد، وسيوهم نفسه والمنخدعين بصحة ما حكم به فى نفسه ابتداءً.
ولا شك أن مثل هذا لن يصل لمراده إلا بالبتر والتدليس، بل ربما والكذب فى بعض الأحايين.
ولذا لن نجد مثل هذا وأمثاله يذكرون كل ما يُقال فى الحديث، أو فى رواته، ثم يرجحون الحق بدليله.
وهذا الحديث الذى انتشر بين الأنام، وعلمه العلماء والعوام، فبين مصحح لمتنه وحاكم عليه بالاضطراب، ومحتج به ورادٍّ له فى الباب.
وقد اشتهرت تسميته بحديث "الجارية".
وقد صنف فى تضعيفه بعض المحدَثين - بفتح الدال - فمنهم: حسن السقاف، حيث صنف كتابه "تنقيح الفهوم العالية بما ثبت وما لم يثبت من حديث الجارية".
وصنف نضال آلة رشى "رفع الغاشية عن المجاز والتأويل وحديث الجارية".
لكن كتاب السقاف أوسع، ولذا فإننا سنعرض ما قال وسنزنه بميزان الشرع وما تقتضيه قواعد أهل العلم الحديثية والأصولية، وبالله توفيقنا.
** المبحث الأول **
الكلام على إسناد الحديث

المطلب الأول
الكلام على أسانيد الأحاديث

أولاً: لابد أن نعلم أن ما يسمى بـ"حديث الجارية" ليس حديثًا واحدًا، وليست واقعة واحدة، بل هي وقائع مختلفة وردت في أحاديث متنوعة، اختلفت ألفاظ هذه الأحاديث باختلاف الوقائع.

ثانيًا: أنه إذا ثبت أن الوقائع مختلفة، وأن الأحاديث اختلفت ألفاظها بحسب اختلاف كل واقعة، فلا يصح أن نرجح بين الأحاديث وبين الوقائع، إذ من البديهي أن تختلف ألفاظ كل واقعة عن غيرها.

ثالثًا: أنه قد تقرَّر في علم الأصول، أنه إذا اختلفت الرواية فإن أمكن الجمع بين ألفاظ الروايات جميعًا كان ذلك أولى من ترجيح رواية على أخرى.

رابعًا: تخريج الحديث، وبيان طرقه ورواياته:
ما يُعرف بحديث الجارية ليس حديثًا واحدًا، وليس واقعة واحدةً كما قلنا، وإنما هي أحاديث وواقع:
وهذه الأحاديث هي:
1- حديث معاوية بن الحكم.
2- حديث الشريد بن سويد.
3- حديث أبي هريرة.
4- حديث ابن عباس.
5- حديث ابن عمر.
6- حديث كعب بن مالك.
7- حديث أبي جحيفة – رضي الله عنهم - ، كما روي مرسلاً من طرق أخرى.
الحديث الأول: حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه -:
وهذا هو الذى فى صحيح مسلم، ولأجله عقدنا هذه المباحث، وصنف السقاف وآلة رشى رسالتيهما.

وحديث معاوية لم يروه عنه سوى عطاء بن يسار، وتفرد به عن عطاء بن يسار هلال بن أبي ميمونة، وعن هلال ثلاثة طرق:

الطريق الأول: طريق يحيى بن أبي كثير، وعنه:
  1. حجاج الصواف: أخرجه مسلم (537) وأحمد (23762) وابن أبي شيبة (30342) وفي "الإيمان" (84) حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن حجاج الصواف... به مطولاً.
    وأخرجه أبو داود (930) بإسنادين: الأول: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، ثم حول السند فقال: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم... به.
    وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1183): حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا أبي وعمي أبو بكر قالا ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج الصواف... به.
    وأخرجه المحاملي في أماليه (319) حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا حجاج ... به فذكره مختصرًا وفيه أنه لم يسألها إلا سؤالاً واحدًا: من أنا؟.
    ولم يذكره مختصرًا سوى المحاملي، وقد خالفه الأئمة مسلم وأحمد وأبو بكر ابن أبي شيبة وأخوه عثمان فرووه مطولاً عن إسماعيل بن علية نفسه، وفيه أنه سألها: أين الله؟.
    وأخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (41) وأبو داود (930) والنسائي في "الكبرى" (8535) وأحمد (23767) وأبو عوانة في مستخرجه (1728) والطبراني في "الكبير" (19/ 398) (938) والبغوي في "شرح السنة" (726) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن حجاج الصواف ... به مطولاً أيضًا.
    وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (165) أخبرنا الفضل بن الحباب حدثنا محمد بن المثنى حدثنا بن أبي عدي عن حجاج الصواف... به مطولاً أيضًا.
    وابن أبي عدي هذا هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وقيل: اسمه إبراهيم، وثقه أبو حاتم وغيره كما في السير (9/ 221).
    وحكم عليه الحافظ بالتوثيق كما في ترجمته في التقريب (5697).
    وحجاج الصواف هو: حجاج بن أبي عثمان الصواف، أبو الصلت، ثقة حافظ. التقريب (1131).
  2.  أبان بن يزيد العطار: وأخرجه الطيالسي (1201) حدثنا أبو داود قال: حدثنا حرب بن شداد، وأبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير... به.
    ومن طريق أبان بن يزيد أخرجه الدرامي في الرد على الجهمية (60) حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي... به.
    وكذلك ابن أبي عاصم في السنة (489) من طريق أبان ... به.
    وكذلك اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (652): أخبرنا أحمد بن عبيد، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر، قال: ثنا أحمد بن سنان، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا أبان، يعني العطار، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير... به.
    وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (2) أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ثنا حمد بن أحمد الحداد، أنبأ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ أنبأ عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا حرب بن شداد وأبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير... به.
    وقال بعد إخراجه الحديث: هذا حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه، ومالك في موطئه، وغيرهما من الأئمة رحمهم الله عز وجل. ا.هـ.
    وأبان بن يزيد العطار، ثقة له أفراد. التقريب (143).
    وفي تهذيب الكمال: قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه : ثبت فى كل المشايخ.
  3. الأوزاعي: وأخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 278 – 283): حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب قال: ثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير... به.
ومن طريق الأوزاعي أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 398) (937): حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير... به.
وكذلك ابن منده في "الإيمان" (91) أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى بن منده، ثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، أنبأ محمد بن يوسف، ثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير ... به.
وكذلك البيهقي في الأسماء والصفات (890) أخبرنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، ثنا أبو العباس الأصم، أنا العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي، ثنا الأوزاعي، ثنا يحيى بن أبي كثير ... به.
والأوزاعي هو إمام فقيه مشهور، واسمه: عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو، قال الحافظ ابن حجر: ثقة جليل فقيه. التقريب (3967).

الطريق الثاني: طريق مالك بن أنس:
 ففي موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2730): حدثنا أبو مصعب، قال: حدثنا مالك، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي، فجئتها ففقدت شاة من الغنم، فسألتها عنها، فقالت: قتلها الذئب فأسفت عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها، وعلي رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت: في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
وكذلك ذكره البيهقي عن عمر بن الحكم (15266) من طريق الشافعي عن مالك عن هلال بن أبي أسامة ... به، وكذلك أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (ص 283) من ثلاث طرق عن مالك عن هلال بن أسامة .... به.
قال الشافعي رحمه الله: اسم الرجل معاوية بن الحكم , كذا روى الزهري ويحيى بن أبي كثير , قال الشيخ رحمه الله: كذا رواه جماعة عن مالك بن أنس رحمه الله , ورواه يحيى بن يحيى عن مالك مجودا فقال عن معاوية بن الحكم قال في آخره: فقال: " أعتقها فإنها مؤمنة".
قلتُ: وأما طريق الزهري فلم أقف عليها، وأما اسم الصحابي فإنه معاوية، فقد قال المزي في ترجمته أنه معاوية، وأما عمر فإنه وهم.

الطريق الثالث: طريق فليح:
أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (3/ 73): حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، نا معافى بن سليمان، نا فليح، عن هلال، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم أنه أراد عتق أمة له سوداء فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: «من ربك؟» قالت: الذي في السماء فقال لها: «من أنا؟» قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال «أعتقها؛ فإنها مؤمنة».
وفُلَيْح، هو ابن سليمان بن أبي المغيرة.
وهنا نلاحظ أن فليحًا هذا قد خالف مالكًا ويحيى بن أبي كثير، فرواه بلفظ: (من ربك؟) بينما رواه مالك ويحيى بن أبي كثير بلفظ: (أين الله؟).
وقبل الكلام على هذه المخالفة أنقل ما قاله نضال آلة رشى فى كتابه "رفع الغاشية"، حيث يقول:
وهذا سندٌ رجاله ثقات:
ابنُ قانع، وصفه الحافظ الذهبى بالإمام الحافظ البارع الصدوق إن شاء الله تعالى، والكلام فيه من جهة البرقانى مدفوع، قال الحافظ الخطيب البغدادى: (لا أدرى لماذا ضعفه البرقانى، فقد كان من أهل العلم والدارية والفهم، ورأيت عامة مشايخنا يوثقونه).
ومحمد بن أحمد بن البراء البغدادى قال عنه الحافظ الخطيب فى "تاريخه": ثقة.
ومثله معافى بن سليمان.
وأما فُلَيح فمن رجال الصحيحين.
وأنت ترى أن هذه الرواية ورواية مسلم سندهما عن هلال بن أبى ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم، ولفظ هذه الرواية يختلف عن لفظ مسلم، حيث قال هنا: ((من ربك؟)) ولم يقل لها: ((أين الله؟)) فهذا اضطراب فى متن هذه الرواية، والقصة متحدة.
مع أن لفظ ((قالت فى السماء)) محتمل أنها أشارت إلى السماء فلا تكون قد تكلمت بلسانها، وهو مجمع الروايات كما يأتى. ا.هـ. (ص 170).
أقـــول:
أما ابن قانع وهو صاحب الكتاب فلن أطيل الكلامَ على مرتبته، وإلا فإن الذهبى لم يجزم بكونه صدوقًا، بل قال - إن شاء الله تعالى -، وهذه العبارة من أدنى مراتب التعديل.
وأما توثيق الخطيب البغدادى فإنه اعتمد على توثيق مشايخه، ولعله أراد البغداديين، وهذا ما قاله البرقانى فإنه قال: البغداديون يوثقونه، وهو عندى ضعيف.
وقد قال تلميذه الدارقطنى: كان يحفظ، لكنه يُخطئ ويصر.

وأفحش فيه العبارة ابن حزم، ورد عليه ابن حجر فى اللسان، وختم الحافظ ترجمة ابن قانع فى "اللسان" بما نقله عن ابن فتحون:

وقال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب: لم أر أحدا ممن ينسب إلى الحفظ أكثر أوهاما منه ولا أظلم أسانيد ولا أنكر متونا وعلى ذلك فقد روى عنه الجلة ووصفوه بالحفظ منهم أبو الحسن الدارقطني فمن دونه قال وكنت سألت الفقيه أبا يعلى يعني الصدفي في قراءة معجمة عليه فقال لي فيه أوهام كثيرة فإن تفرغت إلى التنبيه عليها فافعل قال فخرجت ذلك وسميته الأعلام والتعريف مما لابن قانع في معجمه من الأوهام والتصحيف. ا.هـ. (3/ 384).
قلتُ: ومما سبق يتبين حال ابن قانع، وأنه - كما قال الذهبى رحمه الله - صدوق إن شاء الله، وأنه كان يخطئ، وأن له أوهامًا فى معجمه، لا كما يدعى نضال أنه ثقة وأن الفصل فيه ما قاله الخطيب.
وأما معافى بن سليمان، فإليك كلام أهل العلم فيه لترى صحة قول نضال (ومثله معافى بن سليمان) أى: أنه ثقة:
معافى بن سليمان الرسعنى الجزرى ذكره ابن أبى حاتم وقال: سئل أبو زرعة عنه فذكره بجميل. الجرح والتعديل (8/ 400- 401).
وذكره ابن حبان فى الثقات (15991).
وقال عنه الحسن بن سليمان المعروف بـ"قبيطة": ثقة. تاريخ دمشق (13/ 109).
وقد بحثت فلم أجد من وثق معافى سوى قبيطة وابن حبان، ولذا لم يعتمد الحافظ الذهبى توثيقه بل قال عنه: وكان صدوقًا. تاريخ الإسلام (5/ 943).
وكذلك ابن حجر حيث قال عنه: صدوق. كما فى "التقريب" (ت 6744).
وأما توثيق نضال لفُلَيْح فكذب صريح قبيح، فإنه لما قال: وهذا سند رجاله ثقات، ولا شك أن فُلَيحًا من رواته، وفليح هذا لم يوثقه أحد، فالحكم على الإسناد بأن رجاله ثقات كذب.
وأما رواية البخارى ومسلم عنه فلا تفيده إلى حد كبير، فإنهما - البخارى ومسلم - يرويات عن فليح وأمثاله انتقاءً، وفى المتابعة.
قال الحافظ ابن حجر:
قوله فليح بصيغة التصغير هو بن سليمان أبو يحيى المدني من طبقة مالك وهو صدوق تكلم بعض الأئمة في حفظه ولم يخرج البخاري من حديثه في الأحكام إلا ما توبع عليه وأخرج له في المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من أفراده وهذا منها. فتح البارى (1/ 142).
وقد انتهى حكم الحافظ عليه بأنه: صدوق كثير الخطأ. التقريب (ت 5443).
وهنا فُلَيحٌ قد خالف فى روايته هذا الحديث مالكًا ويحيى بن أبى كثير.
فلابد من ترجمة الثلاثة حتى يتسنى لنا تقديم إحدى الروايتين على الأخرى.
أما فليح فهذه ترجمته من تهذيب الكمال (ترجمة 5443) : قال عثمان بن سعيد الدارمى عن يحيى بن معين: ضعيف، ما أقربه من أبى أويس.
و قال عباس الدورى، عن يحيى بن معين: ليس بقوى، و لا يحتج بحديثه، و هو دون الدراوردى، والدراوردى أثبت منه .
و قال أبو حاتم: ليس بالقوى .
و قال أبو عبيد الآجرى: سألت أبا داود : أبلغلك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقشعر من أحاديث فليح؟ قال : بلغنى عن يحيى بن معين، قال: كان أبو كامل مظفر بن مدرك يتكلم في فليح ، قال أبو كامل: كانوا يرون أنه يتناول رجال الزهري. قال أبو داود: و هذا خطأ عسى يتناول رجال مالك.
و قال أيضا: قلت لأبى داود : قال يحيى بن معين: عاصم بن عبيد الله، و ابن عقيل ـ يعنى عبد الله بن محمد بن عقيل ـ و فليح لا يحتج بحديثهم . قال: صدق .
و قال النسائي: ضعيف.
و قال في موضع آخر: ليس بالقوى .
و قال أبو أحمد ابن عدى: و لفليح أحاديث صالحة يروى عن نافع عن ابن عمر نسخة، و يروى عن هلال بن على عن عبد الرحمن بن أبى عمرة عن أبى هريرة، و يروى عن سائر الشيوخ من أهل المدينة مثل أبى النضر و غيره أحاديث مستقيمة، و غرائب،  و قد اعتمده البخاري في صحاحه، و روى عنه الكثير، و قد روى عنه زيد بن أبى أنيسة، و هو عندي لا بأس به.
قال البخاري: قال سعيد بن منصور: مات سنة ثمان و ستين و مئة.
قال أبو بكر الخطيب: حدث عنه زيد بن أبى أنيسة، و أبو الربيع الزهراني، و بين وفاتيهما مائة و عشر أو تسع أو ثمان سنين. روى له الجماعة. ا.هـ.
ومن نظر إلى ترجمته في التهذيب وتهذيبه وجد أنه مختلف في تعديله وتجريحه:
فعدَّله: ابن حبان، والساجي، وأبو عبد الله الحاكم، وابن عدي.
وجرَّحه: يحيى بن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وأبو أحمد الحاكم.
وبعيدًا عن الجزم بأحد الأمرين: تعديله أو تجريحه، فما يهمنا في هذا الأمر هل نرجِّح روايته إذا خالف مالكًا ويحيى بن أبي كثير؟
والجواب: كلا، وألف كلا، فالإمام مالك متفق على جلالته وإمامته وحفظه وهو أحد الأئمة الفقهاء الأربعة.
ويحيى بن أبي كثير هو الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، قال عنه ابن حجر: ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل. التقريب (7632).
وأما بالنسبة لتدليسه وإرساله، فهو هنا قد أسند الحديث، وصرَّح بالتحديث كما في مسند أحمد (23767).
فمما لا شك فيه أن رواية هذين الإمامين مقدمة قطعًا على رواية فُلَيح المختلف فيه.







جميع الحقوق محفوضة لذى | السياسة الخصوصية | Contact US | إتصل بنا

تعديل : عبدالرحيم