البحث


مدونة السيف الأثري للرد على ضلالات الأشعرية

الاثنين، 14 يناير 2019

ابن بطة شيخ الحنابلة يثبت علو الله على عرشه بلا تأويل

بواسطة : Unknown بتاريخ : 2:00 ص


دفاع عن الإمام ابن بطة مما رماه به السقاف، وموقفه من صفة العلو:
وهو الإمام، العلامة، شيخ الحنابلة، عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكبري. المعروف بابن بطة.
وقد شنَّ السقاف عليه حملة شعواء، فنعرض كلام السقاف، ثم ننقضه – إن شاء الله تعالى –:
قال السقاف: حنبلي وضاع مجسم، ترجمه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (4/ 131) وقال في ترجمته متعقِّبًا على الذهبي: وقفتُ لابن بطة على أمر استعظمته واقشعرَّ جلدي منه، ثم أثبت الحافظ أنه وضاع، وأنه كان يحك أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحك، وأورد الخطيب البغدادي في "تاريخه" (10/ 375) حديثًا بسند باطل، ثم قال: "وهو موضوع بهذا الإسناد والحمل فيه على ابن بطة" أي أنه هو واضعه! وانظر كتابنا إلقام الحجر (ص 4- 6). (ص 270- 271).
وقال أيضًا: ابن بطة وضاع مجسم من أئمة التشبيه لا عبرة بقوله!! (ص 531).
أقول: هذه ترجمة الإمام ابن بطة:
وهو الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري المتوفى سنة (387). من نسل عتبة بن فرقد الصحابي الجليل.
كان إمامًا عالمًا بالسنة، صالحًا، مستجاب الدعوة، وأثنى عليه الأئمة الحفاظ.
وكان فقيها حنبليا كما قال الخطيب البغدادي تاريخ بغداد (12/ 100).
وقال ابن أبي يعلى: وأنبأنا أَبُو مُحَمَّد الجوهري قَالَ سمعت أخي أبا عبد اللَّه يقول رأيت النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام فقلت لَهُ: يا رسول اللَّه أي المذاهب خير؟ أو قَالَ: قُلْتُ عَلَى أي المذاهب أكون؟ فَقَالَ: ابْن بطة ابْن بطة ابن بطة، فخرجت من بغداد إلى عكبرا فصادف دخولي يوم الجمعة فقصدت إلى الشيخ أَبِي عبد اللَّه بْن بطة إلى الجامع فلما رآني قَالَ لي ابتداء: صدق رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - صدق رسول اللَّه أو كما قَالَ.
ثم ذكر عن أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ قوله: أحببت الحنبلية مذ رأيت أبا عبد اللَّه بْن بطة.
قال عنه العتيقي: وكان شيخًا صالحًا مستجاب الدعوة. تاريخ بغداد (12/ 106).
وقال ابن ماكولا: أحد الزهاد، كتب الكثير وصنف وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وخلقًا كثيرًا. الإكمال (1/ 230).
قال عنه السمعاني: كان إمامًا فاضلًا عالمًا بالحديث وفقهه، أكثر من الحديث وسمع جماعة من أهل العراق، وكان من فقهاء الحنابلة، صنف التصانيف الحسنة المفيدة. الأنساب (2/ 261).
وقال الذهبي: الإمام، القدوة، العابد، الفقيه، المحدث، شيخ العراق، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي، ابن بطة، مصنف كتاب (الإبانة الكبرى) في ثلاث مجلدات. السير (16/ 529).
ثم قال: قال الخطيب: حدثني أبو حامد الدلوي، قال: لما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، لم ير في سوق ولا رؤي مفطرا إلا في عيد، وكان أمارا بالمعروف، لم يبلغه خبر منكر إلا غيره. السير (16/ 529- 530).
قلتُ: وابن بطة وإن كان إمامًا فقيهًا إلا أنه قد ضعَّفه بعض العلماء في الرواية، لكنه إمام في السنة والفقه.
قال الذهبي: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط. أنبأنا المؤمل بن محمد، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني عبد الواحد بن علي الأسدي، قال لي أبو الفتح بن أبي الفوارس: روى ابن بطة، عن البغوي، عن مصعب بن عبد الله، عن مالك، عن الزهري، عن أنس: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
قال الخطيب: هذا باطل، والحمل فيه على ابن بطة.
قلت: أفحش العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط ودخل عليه إسناد في إسناد. السير (16/ 530- 531).
وقال الذهبي أيضًا: ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية - فكان إمامًا في السنة، إمامًا في الفقه، صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه. ميزان الاعتدال (3/ 15).
وإذا كان ابن بطة قليل الإتقان في الرواية، بل ضعفه بعضهم، فلا عيب أن يهم في حديث، فقد كان أئمة كبار ضعفاء فهذا حفص - صاحب القراءة المشهورة التي يقرأ بها أكثر العالم - ضعيف الحديث بل متروك كما في ميزان الاعتدال (1/ 558) والكامل في الضعفاء (3/ 268) وما بعدها، وغيرهما من الكتب.
وأما اتهامه بالكذب أو أنه كان يحك أسماء الأئمة فلا يثبت ذلك عنه، بل الأئمة في زمنه ومن بعدهم أثنوا عليه بالزهد والصلاح والتقوى، وكان مستجاب الدعوة، ولو كان فيه مثل هذا الأمر لما كان كذلك، ولما أثنى عليه أحد، بل أقصى ما في الأمر أنه قليل الإتقان في الرواية، لكنه إمام في السنة والفقه – رحمة الله عليه –.
فدعوى السقاف أن ابن بطة كان وضَّاعًا دعوى فارغة، عارية من الصحة تمامًا.
وأما دعواه أن ابن بطة كان يحك أسماء الأئمة ويضع اسمه مكانها، فهذا لم يقله سوى ابن خيرون، وهو أحمد بن الحسن بن خيرون، وذكره عنه الخطيب، والسقاف يلزمه أن لا يقول بذلك، فقد طعن في ابن خيرون سيده الكوثري في "تأنيبه" (ص 64).
وإن كنا لا نرى صحة ما قاله الكوثري في ابن خيرون، إلا أن ابن خيرون – وإن كان إمامًا – إلا أنه كغيره من الناس يخطيء ويصيب ويهم.
وهذا نص ما قاله ابن حجر في "اللسان": وقال الخطيب: حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون: قال رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حك اسم صاحبها وكتب عليها اسمه.
قال ابن عساكر: وقد أراني شيخنا أبو القاسم السمرقندي بعض نسخه بن بطة بمعجم البغوي فوجدت سماعه فيه مصلحا بعد الحك كما حكاه الخطيب عن ابن خيرون، وقال أبو ذر الهروي اجهدت على أن يخرج لي شيئا من الأصول فلم يفعل فزهدت فيه. (4/ 115).
فنقول:
أولاً: إن كلام هؤلاء الأئمة حول روايات ابن بطة وكتاباته، وليس في عقيدته، وقد قلنا بأن ابن بطة قليل الإتقان والضبط.
ثانيًا: إن أول من قال هذا الكلام هو ابن خيرون، كما في "اللسان" و"تاريخ بغداد" (12/ 104).
فهل رأى ابنُ خيرون ابنَ بطة وهو يحك؟!
بل هل رآه أصلاً مع العلم بأن ابن بطة قد توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وقد ولد ابن خيرون بعد وفاة ابن بطة بتسع عشرة سنة، وتوفي بعده بأكثر من مائة سنة، كما في ترجمته في تاريخ الإسلام (10/ 590)؟!!
ثالثًا: إننا لا نسلم بأن ابن خيرون قد اتهم ابن بطة صراحة، بل قد يحتمل أن يكون أصل الكلام (قد حُكَّ اسمُ صاحبها، وكُتِب عليها اسمُه) بالبناء لما لم يسمَّ فاعله، وعليه فلا طعن على ابن بطة، إذ لا يلزم من ذلك أن يكون ابن بطة هو الذي قام بذلك الفعل، بل قد يكون فعله غيره ودسه في كتب ابن بطة، ورجل إمام في السنة كهذا لابد أن يكون له أعداء وخصوم من أهل البدع والضلال، فلا يبعد أن يكون قد فعل ذلك أحدهم وكتب اسم ابن بطة كي يُتهم ابن بطة بذلك.
فالقول بأن ابن بطة هو الذي حكَّها اتهام بلا بينة، بل هو احتمال في غاية الضعف، ولن يستطيع أحد أن يجزم بأن ابن بطة هو الذي قام بالحك.
بل ابن بطة إمام في السنة، شيخ صالح زاهد ورع، لا يُظَنُّ بمثله أن يفعل ذلك، بل غاية ما في الأمر أنه احتمال ضعيف، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ثم إن القول بأن ابن بطة ليس له سماع بمعجم البغوي، قول غير مُسَلَّم، فقد قال الذهبي تعليقًا على قول ابن خيرون: قلت: وقد قَالَ ابن الْجَوْزِي: قرأت بخط أبي القاسم ابن الفرّاء أخي القاضي أَبِي يَعْلَى، قَالَ: قابلت أصل ابن بطة بالمُعْجَم، ورأيت سماعه فِي كل جزء، إلا أنّي لم أر الجزء الثالث أصلا. تاريخ الإسلام (8/ 612).
ولقد حاول السقاف بكل ما أوتي من قوة أن يثبت أن الإمام ابن بطة – رحمه الله – كان كذابًا – وحاشاه –، فقال تعليقًا على كلام الإمام زكريا بن يحيى الساجي: ابن بطة كذاب وضاع مجسم مشهور تقدم الكلام عليه، فخبره مردود نحكم بكذبه، ومن الدلائل على كذب ابن بطة أنه اخترع للساجي ولدًا يروي هذه العقيدة الفاسدة عنه، وقد اعترف متناقض عصرنا في مختصر العلو (ص 223) أن أحمد لا يُعرَف. ا.هـ. (ص 496).
أقول: وهذا كلام باطل، فإن ابن بطة إمام جليل رفيع القدر كما ذكرنا.
وقبل دحض افتراء السقاف أذكر تناقضًا وقع فيه المتناقض – السقاف –: فقد قال هذا السقاف عن الساجي: والساجي هذا هو على التحقيق من المجسمة المشبهة. مقدمة تحقيقه للإبانة (ص 12)، فإذا كنت يا سقاف ترى أن هذه العقيدة الفاسدة التي رواها عنه ابنه لم تثبت عنه، بل هي موضوعة والحمل في وضعها على ابن بطة كما تدعي، فكيف حكمت عليه بأنه مجسم مشبه؟!
كان الأحرى ألا تحكم على إمام بالتجسيم والتشبيه حتى يثبت عنه ذلك، كيف وأنت تدعي أن هذه العقيدة مكذوبة لا تصح؟!!
وأما دعوى السقاف أن الإمام ابن بطة – رحمه الله – اخترع للساجي ولدًا، فهذا دليل كذب السقاف لا كذب الإمام، فإن ابن بطة لم يخترع للإمام زكريا الساجي ولدًا، فإن ابنَه أحمد بن زكريا الساجي قد روى عنه غير ابن بطة كأبي الحسن علي بن محمد العسكري كما في تاريخ بغداد (13/ 574). وأبو بكر ابن المنقري كما في تاريخ دمشق (1/ 357) وغيرهما.
فإذا لم يكن للساجي ولد – وهو أحمد – بل هو من اختراع ابن بطة كما يدَّعي السقاف، لما روى عنه غير ابن بطة.
ومثل هذا الكلام يدل على حقد السقاف على أئمة السنة كالإمام ابن بطة – رحمه الله تعالى –.
والشيخ الألباني – رحمه الله- لم يقل أن ابن بطة اخترع ولدًا للساجي كما يحاول أن يوهم السقاف بذلك، بل إن الشيخ قال أنه لا يعرف أحمد بن زكريا هذا، أي فإنه مجهول إما العين أو الحال وليس مخترعًا كما ادعى السقاف.
موقف الإمام من العلو:
لقد نقل الإمام ابن بطة – رحمه الله – إجماع أهل السنة على أن الله على عرشه بائن من خلقه، فقد قال: فإن أهل الإثبات من أهل السنة يجمعون على الإقرار بالتوحيد وبالرسالة.... وأن الله على عرشه بائن من خلقه, وعلمه محيط بالأشياء. الإبانة الكبرى (2/ 557).
وبوَّب لذلك بابًا، حيث قال: باب الإيمان بأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه، فوق سماواته بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه، لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم، واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين، وقالوا: إن الله ذاته لا يخلو منه مكان، فقالوا: إنه في الأرض كما هو في السماء وهو بذاته حال في جميع الأشياء.
وقد أكذبهم القرآن والسنة وأقاويل الصحابة والتابعين من علماء المسلمين، فقيل للحلولية: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش؟ وقال الله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه: 5] وقال: ﴿ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا﴾ [الفرقان: 59] فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش، فقالوا: لا نقول: إنه على العرش؛ لأنه أعظم من العرش؛ ولأنه إذا كان على العرش فإنه يخلو منه أماكن كثيرة، فنكون قد شبهناه بخلقه إذا كان أحدهم في منزله فإنما يكون في الموضع الذي هو فيه ويخلو منه سائر داره، ولكنا نقول: إنه تحت الأرض السابعة كما هو فوق السماء السابعة، وإنه في كل مكان لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان.
قلنا: أما قولكم: إنه لا يكون على العرش؛ لأنه أعظم من العرش، فقد شاء الله أن يكون على العرش، وهو أعظم منه، قال الله تعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء﴾ [البقرة: 29]، وقال: ﴿وهو الله في السموات﴾، ثم قال: ﴿وفي الأرض يعلم﴾ [الأنعام: 3]، فأخبر أنه في السماء وأنه بعلمه في الأرض، وقال: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه: 5]، وقال: ﴿ثم استوى على العرش الرحمن﴾ [الفرقان: 59]، وقال: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ [فاطر: 10]، فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا، وقال: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ [الأعلى: 1]، فأخبر أنه أعلى من خلقه، وقال ﴿يخافون ربهم من فوقهم﴾ [النحل: 50]، فأخبر أنه فوق الملائكة وقد أخبرنا الله تعالى أنه في السماء على العرش، فقال ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور، أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا﴾ [الملك: 17]، وقال: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ [فاطر: 10]، وقال لعيسى: ﴿إني متوفيك ورافعك إلي﴾ [آل عمران: 55]، وقال: ﴿بل رفعه الله إليه﴾ [النساء: 158]، وقال: ﴿وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون﴾ [الأنبياء: 19]، وقال: ﴿وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير﴾ [الأنعام: 18]، وقال: ﴿رفيع الدرجات ذو العرش﴾ [غافر: 15]، وقال عز وجل: ﴿يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه﴾ [السجدة: 5]، وقال: ﴿ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره﴾ [المعارج: 3]، فهذا ومثله في القرآن كثير.
ولكن الجهمي المعتزلي الحلولي الملعون يتصامم عن هذا وينكره، فيتعلق بالمتشابه ابتغاء الفتنة لما في قلبه من الزيغ؛ لأن المسلمين كلهم قد عرفوا أماكن كثيرة ولا يجوز أن يكون فيها من ربهم إلا علمه وعظمته، وقدرته وذاته تعالى ليس هو فيها، فهل زعم الجهمي أن مكان إبليس الذي هو فيه يجتمع الله تعالى وهو فيه، بل يزعم الجهمي أن ذات الله تعالى حالة في إبليس.
وهل يزعم أن أهل النار في النار وأن الجليل العظيم العزيز الكريم معهم فيها؟!
تعالى الله عما يقوله أهل الزيغ والإلحاد علوا كبيرا.
وهل يزعمون أنه يحل أجواف العباد وأجسادهم، وأجواف الكلاب، والخنازير، والحشوش، والأماكن القذرة، التي يربأ النظيف الطريف من المخلوقين أن يسكنها أو يجلس فيها، أو قال له: إن أحدا ممن يكرمه ويحبه ويعظمه يحل فيها وبها؟!
والمعتزلي يزعم أن ربه في هذه الأماكن كلها، ويزعم أنه في كمه، وفي فمه، وفي جيبه، وفي جسده، وفي كوزه، وفي قدره، وفي ظروفه وآنيته، وفي الأماكن التي نجل الله تبارك وتعالى أن ننسبه إليها. الإبانة (7/ 136- 139).
وقال أيضًا: لكنا نقول: إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن ([1])، وأعلى عليين، قد استوى على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى، فقال: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ [الأنعام: 59]، فقد أحاط علمه بجميع ما خلق في السماوات العلا، وما في الأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى، يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. الإبانة الكبرى (7/ 141).
يقول السقاف تعليقًا على هذا الكلام: إذا أرادوا بهذا الإجماع أنهم أجمعوا على أن الله فوق العرش كما تقصد الحنابلة والمجسمة من أنه فوق السماوات عالٍ على العرش علُوًّا حِسِّيًّا في مكان يطلقون عليه بأنه عدمي وغير مخلوق!! فهذا إجماع باطل وهو خرافة وخيال قائم بأذهان المجسمة!! وقولهم (بائن) لم يجمع عليها المسلمون، ولم يذكرها المنزهون!! لأن الله – تعالى – مع تنزيهنا له عن الحلول والاتحاد لا نصفه بالاتصال ولا بالانفصال كما صرَّح بذلك الإمام النووي في أوائل كتاب "الردة" من الروضة!! فتنبه!!
ثُمَّ كيف يقولون "أجمع المسلمون" والجهمية – الذين تزعم المجسمة كذبًا وزورًا أنهم يقولون بأن الله – تعالى – في مكان ([2]) – يخالفونهم في ذلك؟!
فإن قالت المجسمة: نحن لا نعدهم من المسلمين!! قلنا لهم: ونحن أيضًا لا نعدكم من المسلمين لما أنتم عليه من التشبيه والتجسيم! (ص 531).
وهذا الكلام يبين أن السقاف يكفر أهل السنة أهل الحديث والأثر الذين يقولون بأن الله على عرشه، وله العلو المطلق علو الذات والقدر والقهر، وليس علو القدر والقهر فحسب.
وأما دعواه أن لفظة "بائن" لم يذكرها المنزهون، فكذب فقد صرَّح بها أئمة كثر كابن المبارك وإسحاق بن راهوية وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وغيرهم من أئمة السلف، إلا إذا كان هؤلاء في زمرة المجسمة المشبهة عند السقاف!
وأما كلام النووي – رحمه الله وغفر له – فإنه كان مؤولاً لصفات الله كما هو حال الأشعرية، وكلامه لا حجة فيه، ولقد كان السقاف مكثرًا من كلمته "وأقوال الرجال ليست بحجة" فلماذا لم يذكرها هنا؟ أنسيها أم تناساها؟!
والسقاف لا يكفر الجهمية بل يتهم السلف بأنهم تحاملوا عليهم وافتروا الأقاويل عليهم كذبًا وزروًا – وحاشاهم –، بل ويكفر كثيرًا من أئمة السلف ويرميهم بالتجسيم على تحرج منه من التصريح بكفرهم.
فقد اتهم الأئمة بالتجسيم: نعيم بن حماد، وعثمان الدارمي، وعثمان بن أبي شيبة، وزكريا الساجي، وابن أبي حاتم، والبربهاري، والطبراني، والآجري، وأبا الشيخ، وابن بطة، وابن منده، وابن الباقلاني ([3])، والقصاب، واللالكائي، ويحيى بن عمار، وأبا عمر الطلمنكي، وأبا نصر السجزي، وأبا عمرو الداني، والكرجي، وغيرهم الكثير والكثير. وحاشاهم من هذه التهمة الشنيعة.
فإذا كان السقاف يرى أن المجسمة كفار – كما حاول أن يصرح هنا بتكفيرهم على استحياء – فيلزمه أن يكفر كل هؤلاء. وكفى بذلك ضلالا.
ثم إننا نسأله: من سلفك أيها السقاف في قولك أن الله ليس على عرشه؟! أهم السلف الصالح فائتنا بواحد منهم؟!
أم أنهم الجهمية والمعتزلة؟!


([1]) وسيأتي الحديث عن شاء الله عن لفظة "مكان".
([2]) هكذا، ولعل الصواب (في كل مكان).
([3]) وهو أشعري، فلا أدري هل يوافق الأشعرية السقاف؟ أم سيتهمونه بالتطاول على أئمتهم؟!!

إمام المالكية فى عصره ابن أبى زيد القيروانى يُثبت العلو لله - تعالى -

بواسطة : Unknown بتاريخ : 1:57 ص


الإمام علامة المغرب يثبت علو الله الذاتى على العرش

هو الإمام، العالم الحبر، البحر، شيخ المالكية فى عصره بالمغرب بلا منازعة، عبد الله بن أبي زيد النفزي، القيرواني المالكي. (ت 386)، الملقب بمالك الصغير.
يقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني – رحمه الله – أول رسالته المشهور:
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة
من واجب أمور الديانات
من ذلك الإيمان بالقلب، والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له.
ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.
العالم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه... إلى آخر المقدمة الطيبة.
ولقد حاول الشُرَّاح وغيرهم أن يتملصوا من هذه الكلمة بتأويلات بعيدة جِدًّا، وتكلفوا للخروج من كلام الإمام، فهم بين أمرين أحلاهما مر، إما أن يتكلفوا لتأويل كلام الإمام وحمله على غير وجهه كما تكلفوا في تأويل كلام الله – عز وجل – وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم –، وإما أن يكون هذا الإمام حشويًّا مشبهًا مجسِّمًا، فادعى بعضهم أن لفظة (بذاته) مدسوسة – بلا بينة –، وأنكر بعضهم عليه لأجلها، وأوَّلها البعض بتأويلات ما كانت لتخطر ببال أحد لولا هذا التكلف.
يقول النفراوي: (و) كما يجب الإيمان بأن الله إله واحد يجب اعتقاد (أنه) سبحانه وتعالى (فوق عرشه) وهو جسم نوراني علوي محيط بجميع الأجسام لا قطع لنا بتعيين حقيقته وهو أول المخلوقات على الأصح، وفوق السموات والكرسي من تحته بين قوائمه، ومعناه لغة كل ما علا، والظرف خبر إن، و (المجيد) يصح جره نعتا للعرش، ورفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو العائد على العرش أو على الله. (بذاته) متعلق بالمجيد، والباء بمعنى في مثل أقمت بمكة أي فيها، والضمير عائد على العرش أي العظيم في ذاته، وقيل عائد على الله والمعنى: أن هذه الفوقية المعنوية له تعالى مستحقها بالذات لا بالغير من كثرة أموال أو جنود كفوقية المخلوقات، ولا يصح تعلق بذاته بفوق لفساد المعنى؛ لأن المعنى حينئذ وهو فوق العرش بذاته وهو ممتنع؛ لأن فيه استعمال الموهم، والحاصل أنه يجوز إطلاق لفظ الفوقية الغير المقيدة بلفظ الذات على الله، فيجوز قول القائل فوق سمائه أو فوق عرشه، وتحمل على فوقية الشرف والجلال والسلطنة والقهر لا فوقية حيز ومكان؛ لاستحالة الفوقية الحسية عليه تعالى لاستلزامها الجرمية والحدوث الموجبين للافتقار المنزه عنه الخالق جل وعلا. الفواكه الدواني (1/ 47).
وهذا تكلف في تأويل كلام الإمام وحمل للكلام على غير وجهه.
 وقد برَّر هذا التأويل بأن الفوقية الحسية يلزم منها الجرمية والحدوث.
ثم ماذا سيقول في قول ابن أبي زيد القيرواني – رحمه الله –: وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه. الجامع في السنن والآداب والمغازي (ص 107- 108).
هل سيقول أن فوقية الشرف والقدرة والسلطنة والقهر لله هي فوق السماوات وعلى العرش دون الأرض؟!!
وأما أن فوقية الذات تستلزم الحيز والجرمية والحدوث ونحو هذا، فنقول: إننا نثبت الصفة، لكن لا نلتزم هذه اللوازم، بل نقول إنها لوازم في الشاهد، وأين التراب من رب الأرباب؟!
وقد أقر بأن عقيدة ابن أبي زيد إثبات الفوقية وحمل الاستواء على ظاهره أئمة كثر، كالقرطبي وابن جهبل وابن جزي وغيرهم.
قال القرطبي في "الأسنى" ما نصه: والسادس: قول الطبري وابن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه وهو ظاهر بعض كتب القاضي أبي بكر – رضي الله عنه – وأبي الحسن، وحكاه عنه – أعني عن القاضي أبي بكر القاضي عبد الوهاب نصًّا – وهو أنه – سبحانه مستوٍ على العرش بذاته. وأطلقوا في بعض الأماكن فوق عرشه.
قال الإمام أبو بكر: وهو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكين في مكان، ولا كون فيه ولا مماسة.
قلتُ: هذا قول القاضي أبي بكر في كتاب "تمهيد الأوائل" له. وقد ذكرناه، وقاله الأستاذ أبو بكر ابن فورك في "شرح أوائل الأدلة" وهو قول ابن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين، والخطابي في كتاب "شعار الدين" وقد تقدَّم ذلك. ا.هـ. بنصه من الأسنى (2/ 123).
وقال ابن جهبل رادًّا على تقي الدين ابن تيمية: وأما ما حكاه عن أبي عمر بن عبد البر فقد علم الخاص والعام مذهب الرجل ومخالفة الناس له ونكير المالكية عليه أولا وآخرا مشهور ومخالفته لإمام المغرب أبي الوليد الباجي معروفة حتى إن فضلاء المغرب يقولون لم يكن أحد بالمغرب يرى هذه المقالة غيره وغير ابن أبي زيد على أن العلماء منهم من قد اعتذر عن ابن أبي زيد بما هو موجود في كلام القاضي الأجل أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي رحمه الله. نقله التاج السبكي في الطبقات (9/ 78).
فما هي هذه المقالة التي لم يرها غير ابن أبي زيد وابن عبد البر إن لم يكن إثبات الفوقية؟!
ولا يُقال إن هذا رأي ابن جهبل، بل إنه نسبه لفضلاء المغرب، ولا مناص إلا بنسبته للكذب، وحينها يكون لكل حادث حديث!
وقال ابن جزي: ﴿اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ حيث وقع، حمله قوم على ظاهره منهم ابن أبي زيد وغيره. تفسير ابن جزي (1/ 290).
وقد ذكر ابن ناجي التنوخي في شرحه للرسالة تأويلات باردة لكلام الإمام ابن أبي زيد، ثم قال بعدها: وفي أجوبة عز الدين بن عبد السلام لما سئل عن قول الشيخ وأنه فوق عرشه المجيد بذاته هل يفهم منه القول بالجهة أم لا وهل يكفر معتقدها أم لا؟ فأجاب بأن ظاهر ما ذكره القول بالجهة وأن الأصح أن معتقد الجهة لا يكفر. (1/ 25).
ونقول لهم – كما قلنا ذلك مرارًا –: أنتم تثبتون لله – تعالى – السمع، ويلزم من السمع العرضية، كما يلزم منها إثبات الأذن لله – تعالى – ومع ذلك أنتم لم تلتزموا هذين اللازمين، وقلتم نثبت الصفة ولا نثبت اللوازم؛ لأنها لوازم صفات المخلوقين والله ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾.
وكذلك نحن نقول: نثبت الصفة دون لوازمها، إذ هي لوازم في صفات المخلوقين والله ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾.
يقول العلامة مرعي الكرمي الحنبلي ([1]): وقال بعض المحققين من الشافعية والذي شرح الله صدري في حال المتكلمين الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين أنهم ما فهموا في صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوقين، فما فهموا عن الله تعالى استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله.
قال: ولا ريب أنا نحن وهم متفقون على إثبات صفة الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله تعالى، ونحن قطعا لا نعقل من الحياة والسمع والبصر والعلم إلا أعراضا تقوم بجوارحنا، فكما يقولون حياته - تعالى - وعلمه وسمعه وبصره ليست بأعراض، بل هي صفات كما تليق به لا كما تليق بنا فمثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ونحو ذلك فكل ذلك ثابت معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلاله فإن صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة من حيث التكييف والتحديد ولا فرق بين الاستواء والنزول والسمع والبصر الكل ورد في النص فإن قالوا في الاستواء والنزول شبهتم فنقول لهم في السمع والبصر شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض فإن قالوا لا عرض بل كما يليق به تعالى قلنا والإستواء والنزول كما يليق به تعالى
قال فجميع ما يلزموننا به في الإستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم فكما لا يجعلونها أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الإستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف ولا يفهموا ذلك في الصفات السبع وحيث نزهوا ربهم في الصفات السبع مع إثباتها فكذلك يقال في غيرها فإن صفات الرب كلها جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وأولنا هذه وحرفناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية أنتهى. (ص 202- 203).


([1]) وهو مضطرب في باب الأسماء والصفات، ويُقال إنه رجع، وأثبت عقيدة السلف، والله أعلم بالحال، لكننا هنا ننقل نقله كلام بعض محققي الشافعية.

جميع الحقوق محفوضة لذى | السياسة الخصوصية | Contact US | إتصل بنا

تعديل : عبدالرحيم