البحث


مدونة السيف الأثري للرد على ضلالات الأشعرية

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

الله مستقر على عرشه، استقرارًا يليق بجلاله ليس كاستقرارنا، وإن رغمت أنوف الجهمية

بواسطة : Unknown بتاريخ : 3:03 م


تفسير استواء الله على العرش تفسير صحيح لم ينكره السلف ولا من تبعهم من الخلف:

أولاً: للاستواء عدة معان في اللغة، منها الاستقرار:

 وتفسير الاستواء – بصفة عامة – بالاستقرار لم ينكره أحد من أهل اللغة.
يقول الإمام القرطبي: والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار. الجامع لأحكام القرآن (7/ 220).
وقال أبو حيان: والاستواء هو الاستقرار. البحر المحيط (1/ 217).
بل يرى أبو البقاء الحنفي أن المعنى القريب للاستواء هو الاستقرار، حيث قال: إذ للاستواء معنيان: قريب وهو الاستقرار، وبعيد وهو الاستيلاء. الكليات (ص 277).
وقد أقر بذلك الزحيلي والشعراوي، يقول وهبة الزحيلي: اسْتَوى في اللغة: استقر، أو قصد أو استولى وملك. التفسير المنير (8/ 231).
ويقول الشعراوي وهو يتحدث عن الاستواء: وقالوا في المعنى [أي معنى الاستواء]:
فلهم عبارات عليها أربع 
قد حصلت للفارس الطعان
  
وهي استقر وقد علا وكذلك ار
تفع الذي ما فيه من نكران
  
وكذاك قد صعد الذي هو رابع
 
بتمام أمر من حمى الرحمن
  
تفسير الشعراوي (12/ 7172).
وكذلك نرى أن اللغويين – ومنهم الأشاعرة – يقرون بأن الاستقرار هو أحد معاني الاستواء، بل هو المعنى القريب له، وإن كانت الأشعرية يؤولونه.
وعليه فلو فسرنا استواء الله بالاستقرار لكان تفسيرنا له صحيحًا مطابقًا لمقتضى اللغة، بل هو الأصل، إذ الأصل أن يُحمل الكلام على معانيه القريبة، ولا ينتقل إلى المعنى البعيد إلا بحجة واضحة.

ثانيًا: المتبادر إلى الذهن هو تفسير الاستواء بالاستقرار في العلو:

فمثلا: إذا قلت استوت السحابة فوق البيت، أي: استقرت.
وكما قال – تعالى –: ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾، يقول الإمام البغوي: (وَاسْتَوَتْ) يَعْنِي السفينة: استقرّت (عَلَى الْجُودِيِّ). تفسير البغوي (2/ 451).
وقال – تعالى –: ﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ أي: لستعلوا وتستقروا في العلو.

ثالثًا: ذكر الأئمة الذين فسروا استواء الله على العرش:

يقول الإمام ابن قتيبة استواء الله على العرش بالاستقرار، حيث قال: قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، أي: استقر. تأويل مختلف الحديث (ص 394).

لقد ذكر أبو عمر الطلمنكي تفسير الاستواء بالاستقرار عن عبد الله بن المبارك وغيره من أئمة السلف.
يقول شيخ الإسلام: وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى تفسير الاستواء بالاستقرار، كما قال الإمام أبو عمر الطلمنكي – رحمه الله –: وقال عبد الله بن المبارك ومن تابعه من أهل العلم - وهم كثير - إن معنى استوى على العرش : استقر، وهو قول القتيبي. شرح حديث النزول (ص 145).
والقتيبي هو الإمام العلامة اللغوي ابن قتيبة – رحمه الله تعالى –، وقد ذكرنا قوله.
ويقول الإمام القصاب – رحمه الله تعالى – (ت 360هـ): قوله – تعالى –: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} حجة على الجهمية؛ لأن الاستواء في هذا الموضع هو الاستقرار، فقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي: استقر عليه، فهو بما استقل العرش منه – جل جلاله – له حد عند نفسه، لا بحد يدركه خلقه، والمحيط بالأشياء علمه – سبحانه –. نكت القرآن (1/ 426- 427).
ويقول حافظ الدنيا ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – وهو يتكلم عن صفة استواء الله على العرش: وجل الله - عز وجل - عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه.
ثم قال: الاستواء: الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال: ﴿لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه﴾، وقال: ﴿واستوت على الجودي﴾، وقال: ﴿فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك﴾. التمهيد (7/ 131).
بل إن ابن الملقن يقول: وقال كثير من أهل اللغة: إن معنى ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾: استقر؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾ [المؤمنون: 28]. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (33/ 288).
رابعًا: لا يلزم من تفسير استواء الله على العرش بالاستقرار أن يكون العرش حاملاً لله – عز وجل – والعياذ بالله:
وهذا ليس لازمًا في عالم الشاهد، فضلاً عن لزومه في صفات الله – عز وجل –، فإنك لو قلت: استوت السحابة فوق البيت، فلا يقول عاقل بأن البيت يحمل السحابة.
رابعًا: لا يلزم من تفسير استواء الله على العرش بالاستقرار أن يكون هذا الاستقرار بعد سبق اضطراب؛ فإن هذا لا يقول به عاقل، فإن الاضطراب ضد الاستقرار، وليس نقيضه، ومن المعلوم أن الضدين قد يرتفعان معًا، فهذان الضدان - الاستقرار والاضطراب - قبل خلق السماوات والأرض لم يثبتا لله - عز وجل-، ولكن الاستقرار ثبت بعد خلق السماوات والأرض، وضده مرتفع أزلا وأبدًا.
فإن قيل: القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده؟
قلنا: بل الاضطراب محال على الله - تعالى - لكونه صفة نقص، فخلوه واجب لله - عز وجل-، وخلو ضده جائز الثبوت وعدمه.
وإذا ثبت هذا فقول الرازي: وأن أحدًا ما رأى أنه - تعالى - استقر على العرش. مفاتيح الغيب (18/ 526) قول باطل، فإما أن الرازي جاهل بآثار السلف ومن تبعهم، أو أنه لا يعتبر لكلامهم قيمة لكونهم حشوية عنده.
وكلا الأمرين غير بعيد، فإن الرازي - كما يقول الحافظ الذهبي - عرِيٌّ من الآثار، ويعتبر كثيرًا من أئمة أهل السنة حشوية كما يظهر ذلك لمن يقرأ كتبه سيما تأسيس التقديس، كيف لا وهو الذي وصف كتاب إمام الأئمة ابن خزيمة بكتاب الشرك!
لذا فإن كلام الرازي لا قيمة له، بل هو حجة عليه وعلى أهل نحلته.
وبهذا يتبين أن تفسير استواء الله على العرش باستقراره عليه تفسير صحيح لغة وشرعًا وعقلاً، ولم ينكره أحدٌ من السلف، وإنما لم يفسره كثير منهم لأمرين:
الأول: أن هذا التفسير معلومٌ بمجرد فهم اللغة، ويشير لذلك قول الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: الاستواء غير مجهول.
واللام في "الاستواء" للعهد، والمعهود هو خصوص استواء الله على العرش.
ويؤكد أن مراد الإمام مالك بالاستواء هو استواء الله على العرش خاصة: أنه هو المسؤول عنه، فالسائل لم يسأله عن الاستواء بصفة عامة وإنما سأله عن استواء الله على العرش.
وأيضًا ثبت في روايات أخرى كما في تاريخ أصبهان لأبي الشيخ (2/ 214) أنه قال: الاستواء منــــه غير مجهول... فكلامه نص صريح في أنه يتكلم عن استواء الله - عز وجل -، أي أن الاستواء من الله غير مجهول، وإنما المجهول هو الكيف.
وقوله (غير مجهول) يفيد أن استواء الله معناه غير مجهول، ويبعد تأويل كلام الإمام أن الاستواء غير مجهول وروده في الشرع، فإن هذا أمر معلوم بالبداهة لا يحتاج إلى تنبيه من الإمام سيما في هذا الموقف الذي جعله يعرق عرقًا شديدًا.
ثم إنه أكَّد هذا بقوله (والكيف غير معقول) ومن لا يثبت للاستواء معنى، لا حاجة لأن يقول مثل هذا.
ولم يقل الإمام مالك ولا غيره من أئمة السلف أن الاستواء المعلوم في اللغة - الاستقرار في العلو - منفي عن الله.
بل إن قوله (الاستواء معلوم) أو (غير مجهول) يؤكد أن استواء الله على العرش هو المعلوم في اللغة، وإنما المنفي هو مماثلة كيفية استواء الله على العرش باستواء البشر.
ولم ينكر أحدٌ أن تفسير الاستواء بالاستقرار صحيح، حتى من أنكر تفسير استواء الله على العرش بالاستقرار من متأخري المتكلمين لا ينكر أن هذا التفسير صحيح لغة، إلا أنه ينكره لأجل أنه يخالف براهين عقله، وإن شئتَ فقل: براهين عقل الفلاسفة وأفراخهم.
والسبب الثاني الذي منع كثيرًا من أئمة السلف من تفسير الاستواء: كي لا يخوض الناس في صفات الله - عز وجل - من البحث عن الكيفية فإن ذلك سيؤدي قطعًا إما إلى التشبيه، أو إلى التعطيل، ولأجل هذا كان الإمام مالك ينهى عن التحديث بأخبار الصفات سدًّا للذريعة، بل يكفي المسلم الإيمان المجمل بإثبات كل ما أثبته الله لنفسه، ونفي كل ما نفاه الله عن نفسه دون البحث عن وراء ذلك.
على أنه قد ورد عن بعض الأئمة أن السلف فسروا صفات الله - عز وجل -، فقد فسر أكثر السلف الاستواء بالعلو وبالارتفاع، وبعضهم - كابن المبارك وابن قتيبة وغيرهما- فسروه بالاستقرار في العلو، بل وأنكروا على الجهمية تأويل الاستواء بالاستيلاء، ولم ينكر أحد منهم تفسير الاستواء بالاستقرار ولو كان ذلك مفضيًا إلى الضلالة والتشبيه لما وسعهم السكوت عنه.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوضة لذى | السياسة الخصوصية | Contact US | إتصل بنا

تعديل : عبدالرحيم